Monday, November 17, 2008

السياسة في حياة الجاليات المسلمة

http://farm1.static.flickr.com/42/94989639_6379318195.jpg

قد يبدو أن مشاركةَ الجاليات المسلمة في الغرب في انتخابات الرئاسة هناك، أمرٌ بَدَهِيٌّ لا بد من فعله والإسهام فيه، وقد يبدو لنا أن الاستبيان الذي وضعناه على موقعنا بخصوص هذه المشاركة لا معنى له؛ فالأغلبية الساحقة (83%) من المشاركين في الاستبيان اختاروا أن تشارك الجاليات المسلمة في الغرب في انتخابات الرئاسة.

قد يبدو لنا أن هذه المشاركة أمرٌ واضحٌ لا يحتاج لمناقشة، ولكن الواقع - للأسف - ليس كذلك!

إن قليلاً من الجاليات المسلمة في البلاد الغربية يشارك في انتخابات الرئاسة أو مجالس الشعب والمحليات، وبلم يتصل أوباما أو ماكين بأي من المسلمينالتالي فلا يهتم - عادةً - أيٌّ من الرؤساء المرشحين باستقطاب المسلمين، أو الجري وراء أصواتهم! وبالتالي فليست هناك وعود إصلاحية خاصة بالمسلمين أثناء الدعاية الانتخابية للرؤساء في أمريكا وأوربا، وهذا أمر لافت للنظر؛ لأن أعداد الجاليات المسلمة في البلاد الغربية ليست قليلة، ولكن الواضح أن المسألة ليست بالعدد!

إن عدد المسلمين في أمريكا يزيد على ستة ملايين، وتصل بهم بعض التقديرات إلى عشرة ملايين، وعدد المسلمين في فرنسا يزيد على سبعة ملايين، ويصل أيضًا في بعض التقديرات إلى عشرة ملايين. أما المسلمون في ألمانيا فيصلون إلى أربعة ملايين، وكذلك المسلمون في بريطانيا يصلون إلى نفس العدد تقريبًا، ويصل عدد المسلمين في إيطاليا إلى أكثر من مليون مسلم، فأين كل هذه الجموع في الأحداث الكبرى في البلاد التي يعيشون فيها؟! وأين تأثيرهم على القرار هناك؟!

لقد أعلن إبراهيم هوبر المتحدث باسم مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) بأن أيًّا من الزعيمين أوباما وماكين لم يتصل أصلاً بأي قيادة إسلامية لضمان الحصول على أصوات المسلمين!!

ولا بد لنا من وقفة..

لماذا يصل الوضع إلى هذه الصورة مع أن المسلمين في تزايد مستمر في البلاد الغربية؟! والإجابة في رؤيتي تشمل عدة أسباب:  انتقل المسلمون إلى الغرب وهم يحملون كل الأمراض التي أصيبوا بها في بلادهم الإسلامية الأصلية

أولاً: لقد انتقل المسلمون إلى أوربا وأمريكا وهم يحملون كل الأمراض التي أصيبوا بها في بلادهم الإسلامية الأصلية! وهذه الأمراض كثيرة، ويأتي على رأسها مرض السلبية القاتل، والذي تعوَّد عليه في بلاد المسلمين التي تُحْكَم في معظمها بأنظمة ديكتاتورية لا تسمح بأي رأي إصلاحي أو معارض، وإن سمحت أحيانًا فإنها لا تلبث أن تزوِّره وتعبث به، ولو أصرَّ صاحب الصوت المعارض على الكلام، فإنه يُكَمَّم أو يُحبس وقد يقتل! وهذا دفع أجيالاً كاملة أن تعيش في الظلام، وأن تقبل بالضيم، وأن تخشى من فكرة الاعتراض، وأن تتردد كثيرًا جدًّا في أن تشهد شهادة الحق ولو من وراء ستار، وأن تحذف من قاموسها تمامًا كلمة "لا"! ثم انتقل فريق من هؤلاء للعيش في بلاد الغرب وهم يحملون أوزارهم، فلم يلحظوا أن البيئة تغيرت، وأنه أصبح مسموحًا أن تقول رأيك، وأن أوراق اللُّعبة مختلفة عن تلك التي نراها في بلادنا المنكوبة، فعاشوا كما يقولون في "سلام"، وجعلوا شعارهم "دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله"! وهكذا رأت هذه الطائفة - وهي ليست قليلة - أنهم يكفيهم فخرًا أنهم "يعيشون" في أمريكا أو أوربا، فلا داعي للطموح الأهوج في تغيير الأنظمة هناك!

كان هذا هو السبب الأول في انعزال المسلمين عن الساحة السياسية في البلاد الغربية.

ثانيًا: بعد أحداث 11 سبتمبر أصبح الإسلام تهمة !!يعاني المسلمون أيضًا في بلاد الغرب من مشكلة الخوف الدائم من من تهمة الإرهاب، بل ويعاني بعضهم من الخوف من تهمة "الإسلام"!

فقد أصبح الإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في حد ذاته تهمة قد تكون خطيرة! ومن جرَّاء هذا الخوف الدائم أصبح كثير من المسلمين يتجنبون الإعلان عن هويتهم أصلاً، فما بالكم بالإعلان عن أنهم يؤيدون حزبًا على حساب آخر! وماذا يحدث لو خسر الحزب الذي يؤيدونه؟ وماذا سيكون مصيري حينئذٍ؟ هل سيكون الطرد من الوظيفة؟ أم سيكون الإرسال إلى أحد المعتقلات؟ أم سيكون الأسوأ والأفدح وهو سحب الجنسية الغربية وإعادة الرجل إلى بلاده الإسلامية؟!!

هذا كابوس يدفع كثيرًا من المسلمين إلى طمس هويتهم، أو عدم الإفصاح عنها أبدًا. ولقد قابلت أحد المسلمين في بريطانيا وهو شخصية علمية مؤثرة، ومع ذلك فقد قال لي إنه قد جاءهم في أحد الأيام استبيان من الحكومة الإنجليزية يسألون فيه عن أمور كثيرة في حياة الشخص بهدف الإحصاء، وكان من هذه الأمور دين الشخص، وكان هذا السؤال اختياريًّا؛ لأن الدولة علمانية، ولا تستطيع أن تفرض عليك أن تعلن دينك، وكان اختيار هذه الشخصية المسلمة ألاَّ يكتب شيئًا في مكان الديانة، مع أن الإحصاء لو أظهر أن عدد المسلمين كبير في بريطانيا، فإنهم قد يعملون لهم حسابًا في قوانينهم وانتخاباتهم ومعاملاتهم مع الدول الإسلامية، ولكن آثر التخفي لكي لا يصيبه ضرر، وقال: إن المسلمين إذا كانوا غير واضحين ولا معروفين؛ فهذا أدعى لطول بقائهم!

لقد نسي هذا الشخص أن الغرب لو رأى أن الذي أمامه لا وزن له ولا تأثير، فإنه لن يتردد في سحقه بقدمه عند أول فرصة!

ثالثًا: يعاني المسلمون أيضًا في البلاد الغربية من ضعف الخبرة في المجالات السياسية، فليس هناك - فيما رأيت بنفسي - توعية سياسية مناسبة للجاليات المسلمة، وبالتالي فهم لا يعرفون ماذا ينبغي لهم أن يفعلوا، ولا يدركون حقيقة مزايا مرشح عن آخر، ولا يعلمون آليات إنشاء عمل سياسي محترف. وقد يرجع ذلك إلى أن معظم أفراد الجاليات المسلمة قد هاجروا إلى البلاد الغربية بُغْيَةَ التربح أو الدراسة، وهؤلاء ليسوا من السياسيين عادةً، بل إن كثيرًا منهم يعتبرون أن الكلام في السياسة حرامٌ وعيب ولا يصح؛ لأنهم تعلموا ذلك في بلادهم المسحوقة!

رابعًا: القلة من المسلمين لا يشاركون في أي أعمال سياسية؛ بسبب أنهم يرون عدم جواز ذلك شرعًا، وهم يعتقدون أنهم إذا شاركوا عن طريق الانتخاب أو الترشيح، فإن ذلك يعني إقرار الأنظمة الوضعية، وهي تحكم بغير ما أنزل الله؛ ولذا فلا يجوز التعاون معهم في رؤيتهم. والحق أن هذه الرؤية قاصرة؛ لأن المسلم لا ينتخب أحد الرؤساء الغربيين لكي يقول له: أوافقك على الربا والإباحية والظلم، إنما ينتخبه لكي يعدِّل من القوانين والسياسات بما يخدم مصالح المسلمين، ومن ثَمَّ فإنه يرشِّح رئيسًا دون آخر بحثًا عن مصلحة المسلمين، وليس إقرارًا لباطلٍ هم عليه.اختلف المسلمون حتى في تحديد موعد الصوم والفطر

خامسًا: وهذه من أهم أسباب فقدان التأثير، وهي فُرقة المسلمين في البلاد الغربية بشكل لافت للنظر، فليس هناك رابط بأي صورة من الصور يجمع المسلمين تحت راية واحدة في أي قطر غربي، بل إن المساجد لا تتحد معًا أبدًا، وليس هذا على مستوى القطر الواحد بل على مستوى المدينة الواحدة في داخل القطر، بل كثيرًا ما تجد المساجد المختلفة والهيئات المختلفة تتصارع وتتنافس ويخالف بعضها بعضًا. ولا يخفى على أحدٍ الجدالُ السنوي الذي يتم في داخل كل مدينة، بل وفي داخل كل مسجد كل سنة في أول رمضان على موعد الصيام، وعلى طريقة رؤية الهلال، وكذلك عند عيد الفطر. وليس مستغربًا أن تجد في داخل المدينة الواحدة من يصوم ومن يفطر في نفس اليوم!

إن داء الفُرقة هذا مدمِّر، ولا تقوم للأمة قائمة بغير وَحْدة، وهذا الداء الخطير يفسِّر ضعف المسلمين سياسيًّا في أمريكا وأوربا؛ فحتى لو عرف المسلمون قيمة المشاركة الإيجابية، وعرفوا أن فلانًا أفضل من غيره، فأي رابط يربطهم؟ وأي متحدث رسمي يتحدث باسمهم؟ وهل يملك هذا المتحدث أو هذا الرابط أي سلطة توجيهية للجموع الإسلامية أم أنه سيقول كلامًا، وتفعل الجالية خلافه؟ وما هي آليات اختيار هذه الهيئة الرسمية؟ وكيف تكتسب ثقةً في الجالية؟

إن هذه الأسئلة لن يتم الإجابة عليها إلا من خلال وحدة حقيقية بين أفراد الجالية المسلمة في كل قطر، بل لا أبالغ في أحلامي إن قلت: إنَّه يجب أن يكون هناك تواصل بين أفراد الجاليات المسلمة في البلاد المختلفة؛ لكي نتبادل الخبرة بين هذه الجاليات في أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها، بل أكثر من ذلك: لماذا لا يكون هناك تواصل بين الجاليات المسلمة والهيئات الأخرى غير الإسلامية الموجودة في الغرب، سواءٌ كانت هذه الهيئات سياسية أم قومية لإحدى الجاليات أو العرقيات لتكوين جبهة واحدة تُدفع في اتجاه واحد يصبُّ في مصلحة المسلمين؟!

وليس معنى كل ما سبق أن أفراد الجاليات المسلمة في الغرب لا يعلمون، بل إن منهم الكثير ممن يتحرك بقوة لخدمة مصالح المسلمين، ومنهم من عنده وضوح رؤية كامل، ومنهم من يهتم بأمور الدعوة والأسرة والجالية بصفة عامة، لكن ما زال الأثر أقل بكثير من الإمكانيات، وما زالت النتائج أقل بكثير من الطموحات.

ولا شك أن الأمر يحتاج إلى وقفات ووقفات، خاصةً أننا نرى أن غيرنا ممن بدأ بعدنا، أو يملك أقل من قدراتنا، قد سبقنا وتقدم علينا، وهذا لا يستقيم لأمة وُصِفَتْ بأنها خير أمة أخرجت للناس.

ونسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام والمسلمين.

No comments:

Post a Comment