Tuesday, November 6, 2012

سلفني عينك.. شكرا


http://fc05.deviantart.net/fs71/i/2012/219/7/1/through_my_eyes_by_farazbukhari-d56p1ww.jpg 



كان الأمس يوم مميز جدا بالنسبة لي.. من الطبيعي أن تقدم يوما ما يد العون لشخص قريب أو بعيد و تحتسب الأجر عند الله.

و لكن ما حدث معي أني انا من قدمت يد العون لأجد نفسي اشعر بالامتنان و كأني انا الشخص الذي كان بحاجة للمساعدة.

بداية الأمر طلبت مني فتاة (هي فاقدة البصر) ان اذهب معها لعدة اماكن محددة حتى تبحث عن فرصة للعمل (5% هي نسبة الوظائف المتاحة لأصحاب الأعاقات و التى وضعتها الحكومة). رغم ان معرفتي بها ليست قوية و لكنها من الاشخاص التى يصعب على ان ارفض مساعدتها. و عندما قابلتها و وصلنا المكان الذي كانت تريد الذهاب اليه وجدت نفسي في مشكلة بلدي الشهيرة "مفيش ركنة".

اخذت ابحث عن مكان لاضع به السيارة و طالت مدة البحث و لكن كانت هذه فرصة طيبة لأنها اتاحت لي ان اسمعها و اتأمل كيفية تعاملها مع الموقف. وجدتها لم يكن لديها توتر خوفا من الا نوصل فبل موعد انصراف الموظفين بل سلمت امرها تماما لله.. و كانت تقص علي قصصها مع اشخاص عديدة ساعدتها و ان منهم من كان متعاون و منهم من تعاملها بشكل سئ.. و كان من المؤلم سماع ان هناك اشخاص ساعدوها من وراء اهلهم، و عندما كانت تتصل بهم فيجيب اهل الشخص و يسألوا من تكون و تشرح لهم كانوا يغضبون و يطلبوا منها عدم الاتصال مجددا و تقول لي يختفي الشخص الذي كان يساعدها تماما. ثم اردفت قائلة لقد تعرضت للكثير و لم ايأس الكل يعلم اني عندما اصر على امر افعله و لا ابالي ان اكون وحدي.



مع العلم أنها حاصلة على درجة الماجستير، كم استأت ان اعلم انها تمر بضغط مجتمعي رهيب حتى تحقق احلامها. و كم اعجبت بأصرارها رغم وضوح نبرة آلم في صوتها مما رأته من سوء تعامل من بعض الاشخاص. ثم اثناء سيري بالسيارة سمعنا اصوات العصافير تلك -التى لا نبالي بها- و لكن سبحان الله عندما لا يكون لديك سوى حاسة السمع لتتعرف بها على الأماكن و تستشعر ماذا يوجد به من كائنات. قالت لي: "احب صوت العصافير، فهي تغرد معا بنغمة متجانسة موحدة و ليست كالبشر كل منهم يتحدث منفردا بأرائه و في النهاية لا نسمع سوى اصوات متداخلة مزعجة". يبدو ان هذا هو احساس من يسمع فقط، ان البشر مخيفون في فرقتهم و مجادلتهم.



وجدنا الركنة اخيرا رغم انها طلبت مني ان انتظرها في السيارة ان لم اجد ركنة و هي سوف تسلك الطريق داخل المبنى، انا واثقة انها تستطيع بفضل الله لكن لم اقدر ان اتركها وحدها. اردت ان اشعرها ان هناك من يريد ان يكون عيناً لها حتى يضيئ لها هذا العالم المظلم و لو بقدر يسير. بفضل الله انتهينا من كل المشاوير و كنا في طريق العودة. 

و كنت اقول لها عن مكان يمكن ان يكون به وظيفة.

فوجدتها تقول: "هذا المكان ليس لمن هم مثلي بل مثلك".

فقلت: "و لما لا؟؟"

قالت: "هم يريدون لغات و انتي افضل مني انا مجرد معي الماجستير"

قلت لها: " انا لم احصل على الماجستير بعد ؟!!" كيف اكون افضل؟ و لكن ادركت من خلال ما رأيناه فى الاماكن الحكومية انهم يشعروا اي شخص به اعاقة او فقد لحاسة مثل السمع او البصر انه عبء و شخص غير مؤهل للعمل (و لكن البلد تكرمه و تتصدق  عليه ب 5%).

قلت لها: " الأفضلية بالتقوى و لا يعلم التقوى الا الله".

قالت: "نعم، و من يعلم يمكن ان تكوني عند الله افضل الا ترين كم ارهقتك!!"

قلت: " لعلنا نكون ممن يرضى الله عنهم و نجمع فى الفردوس".

و ان كانت بلدنا اغلبها طرق غير ممهدة بل ارصفة غير ممهدة؟!! 
و كل مكان يدعي ان انتهى موعد التقديم للعمل و اتركي رقم تليفونك؟!!
فضلت ان اذكرها بالله فكل ما نفعله فى الدنيا هو سعي من خلال ما هو متاح. 

وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى{39} وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى{40} ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى{41}


في النهاية، كان شعور جميل ان اكون لها عينين تساعدها في سعيها و أن اتودد اليها من خلال نبرة صوتي و ان نضحك سويا و ان اشرح لها قدر المستطاع ما تراه عيناي .. و ان استشعر معها بمعنى التوكل و العزيمة... 

اخيراً، تعلمت ماذا يعني البصر لنا و لما هي نعمة تستحق كل الشكر لله سبحانه و تعالى ليس كمثله شئ، نرى الألوان و نميز بين الأماكن و الأشخاص و الأشكال و نرى انطباعات الاخرين و رد افعالهم ..
اسأل الله ان يمن على بلاد المسلمين بالاحسان و الاتقان في كل شئ و ان يجعلنا سبب في تحسين وضع بلادنا على الوجه الذي يرضيه.

من اكثر الحلقات المؤثرة في هذا الموضوع لأحمد الشقيري فى موسم خواطر الخامس و السابع:




2 comments: