Monday, October 27, 2008

"سوبرمان" لم يكن شجاعًا


http://graphics8.nytimes.com/images/2006/06/27/arts/27supe.1.600.jpg

موقف محير

في ذات يوم، وبعد حكاية "طوييييييلة عريضة" عن أبطال الإسلام وعلى رأسهم سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه، وقد قام الكل للوضوء لأن الصلاة اقترب موعدها جلس هو بجواري وقال إنه متوضئ، ثم نظر عاليا في سقف المسجد ثم ألقى سؤاله:

- "هوّا سوبرمان شجاع؟؟"

وبصراحة فقد كانت الإجابة بـ(طبعا أو جدا، أو.. أو..) على طرف لساني، ولكن.. ولأنه هذا الشبل بالذات فقد تمهلت قليلا، وقلبت السؤال على جميع أوجهه بحثا عن الجانب الغريب لأستطيع تخمين سؤاله القادم فلم أستطع.. ولأول مرة لا يوجد في سؤاله أي جانب غريب.. وكدت أجيب للمرة الثانية ولكني توقعت أنه "أكيد شاف من سوبرمان -منه لله- موقف مش ولابد في حلقة من حلقات المسلسل".. فأجبت عن سؤاله وأنا أتلعثم:

- "أأ آآ..!! ليه؟، بتسأل ليه!!"

- لا أبدا...!!

فمنيت نفسي للحظات أنني قد نجوت من أسئلته النارية، ولكنه باغتني بما في ذهنه مباشرة -مما حطم كل آمالي في النجاة من قذائفه، وجعل كل الأفكار تتدافع في عقلي مرة واحدة- بقوله:

- "طيب هوا أشجع والاّ سيدنا خالد بن الوليد؟؟؟.. أصل سوبرمان هوا كمان مبيتغلبش".

بصراحة حينها كرهت سوبرمان على الرغم أنني كنت وأنا صغير من المتابعين والمحبين جدا للمسلسل.. وهمست في نفسي "الله يخرب بيتك يا سوبرمان".

تطلعت في عيني الشبل بغيظ فلم أجد منها إلا كل براءة وانتظار لإجابة شافية بكل شغف؛ وهو ما دفعني للرد مباشرة:

"لأ طبعا.. سيدنا خالد أشجع يا حبيبي.. سوبرمان دا شخصية خيالية لا وجود لها".

وحمدت ربي في أعماقي ظنا مني أن الموضوع انتهى على هذا الحال.. ولكنه عاد يبدد كل آمالي بقوله:

- "ما أنا عااااااااارف!!.. بس افرض كان موجود.. مين كان هيبقى أشجع من التاني؟؟؟"

ولولا أنه صغير.. ومؤدب.. وأحبه جدا.. لأوجعته ضربا من شدة غيظي، لكن "الطيب أحسن!".

عموما، "عم علي" أنقذني بالأذان والحمد لله، وتظاهرت بترديد الأذان، ولكن عقلي راح يعمل.. "آه صحيح.. الولد عنده حق".. وما إن فرغت من الصلاة وعاود هو وأصحابه الالتفاف حولي حتى كانت لدي إجابة أظنها شافية لتساؤل الصغير، فقلت:

لا يا حبيبي.. سيدنا خالد بن الوليد كان هيبقى هوا الأشجع طبعا.. وهنا نظر إليّ في لهفة متطلعا إلى حيثيات الحكم، فتابعت:

- "اسمع يا حبيبي، لو فيه طريق ضلمة (مظلم) جدا.. وفيه منكم اتنين (اثنان) واحد معه لمبة(مصباح) والتاني لأ.. والاتنين مشوا في الطريق.. مين هيكون الأشجع؟؟.. فرد الجميع.. اللي مامعهوش لمبة طبعا يا أستاذ".

- "طيب سوبرمان -لو كان موجودا- معه قوة عضلية خارقة ويستطيع الطيران والغوص تحت الماء.. باختصار سوبرمان لا يهزم حسب الأسطورة.. صح؟"، فقالوا جميعا:

- آه.. صح يا أستاذ.

- طيب أيهما أشجع.. أن تقاتل والهزيمة محتملة، أم أن تقاتل وأنت لا تهزم؟

وهنا لمحت ابتسامة الفتى من بين الجميع أثناء صيحاتهم وهتافهم باسم ابن الوليد -رضي الله عنه.

تعلمت من أشبالي

علمني أشبالي أن الشجاعة لا تنبت إلا في أرض الخوف؛ فقد اكتشفت أن سوبرمان النبيل الذي يحارب من أجل الضعفاء لم يكن شجاعا حسبما تخيلته الأسطورة؛ لأنه ببساطة كان بطلا لا يقهر، وغير قابل للهزيمة كما يزعمون.. لكن الشجعان حقا ومن يستحقون أن يلقبوا بلقب السوبر هذا هم الذي يناضلون من أجل الضعفاء ومن أجل الحرية برغم المخاوف.. مخاوف المعتقلات والعصي الأمنية وبطش الظالمين.. فكم في زماننا هذا من "الأقوياء الأخفياء" الذين يستحقون لقب "سوبر" بجدارة.

إنني لم أتردد لحظة في أن خالد بن الوليد أشجع من سوبرمان بكثير، ولكن هذا الشبل طرح على ذهني بأسلوب غير مباشر سؤالا آخر محيرا وما زلت لا أجد له جوابا ألا وهو:

هل أحفاد ابن الوليد أشجع.. أم صناع سوبرمان؟!.


سؤال يحتاج لنظرة فاحصة.. فقد برهن صناع سوبرمان على شجاعتهم وروجوا لنموذج وهمي احتل عقول أبنائنا وأصبح جزءا من ثقافتهم، بينما لم نملك الشجاعة بعد لنروج لنماذجنا الواقعية الحقيقية.. ترى: متى تواتينا الشجاعة الكافية لنسوّق لنماذج أبطالنا الإسلامية "الواقعية" بمثل ما روجوا هم لنماذجهم "الخيالية" إعلاميا وتقنيا؟

{قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }يونس35

Copied from:

No comments:

Post a Comment